رئيس هيئة البحث عن المفقودين بليبيا: وثقنا 6500 حالة مؤكدة ولا نعتد بالشائعات
السيوي لـ«جسور بوست»: الهيئة ساهمت بدور فعّال في جهود المصالحة الوطنية
تُعدّ الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين في ليبيا من أبرز المؤسسات الوطنية التي تضطلع بمهمة إنسانية محورية تهدف إلى الكشف عن مصير الأشخاص المفقودين نتيجة النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية التي عصفت بالبلاد على مدى عقود.
تأسست الهيئة استجابة لحاجة ملحّة لتوفير الدعم اللازم للعائلات التي فقدت أحبّاءها، وللعمل على تخفيف معاناتهم من خلال البحث الميداني، توثيق الحالات، وتحليل البيانات المتعلّقة بحالات الفقدان.
وخلال السنوات الماضية، ساهمت الهيئة بدور فعّال في تعزيز جهود المصالحة الوطنية في ليبيا، حيث يعمل كشف الحقيقة حول مصير المفقودين على استعادة الثقة بين مختلف فئات المجتمع الليبي، ويُعد هذا الجهد خطوة حيوية في بناء جسور الأمل والسلام، خاصةً في بلد يتطلع إلى تجاوز مآسي الماضي والتأسيس لمرحلة جديدة قائمة على العدالة والإنصاف.
وتضطلع الهيئة بمسؤوليات تشمل جمع عينات الحمض النووي (DNA) من ذوي المفقودين، معالجة المعلومات في قواعد بيانات متقدمة، والعمل مع الشركاء المحليين والدوليين لضمان تطبيق المعايير العالمية، هذا الجهد المشترك يعكس الأهمية الإنسانية البالغة للدور الذي تلعبه الهيئة في مجتمع يسعى إلى تضميد جراحه والتخلص من تداعيات أزمات الماضي.
وفي هذا الإطار التقت «جسور بوست»، رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين في ليبيا، الدكتور كمال أبو بكر السيوي، والذي تحدث عن الدور الذي تقوم به الهيئة في حسم موقف المفقودين، كواحد من أهم الملفات التي باتت تؤرق المجتمع الليبي خلال السنوات القليلة الماضية.. وإليكم نص الحوار..
بداية.. حدثنا عن الأهداف الأساسية التي تعمل الهيئة على تحقيقها.. وما هو الوضع الحالي لملف المفقودين في ليبيا؟
الهيئة أنشئت بموجب القانون رقم (1) لسنة 2014، وفعل عملها سنة 2018، بقرار من المجلس الرئاسي بذمة مالية مستقلة، تختص بالبحث والتعرف على المفقودين، وملف المفقودين في ليبيا ملف شائك، حيث مرت ليبيا بعديد من المراحل منذ سنة 2011 وحتى ما قبلها خلال الحروب التي شهدتها ثمانينات القرن الماضي، ومن ثم الثورة وبعدها الحروب الأهلية بين مدن ومناطق وجهات تدعم في أطراف معينة نتج عنها فقدان العديد من الأرواح، كذلك الجرائم التي ارتكبت خارج نطاق القانون، والتي نتج عنها مقابر جماعية ومن أهمها ملف مدينة ترهونة، وحديثا الكارثة الطبيعية التي حدثت بمدينة درنة، عندما اجتاحت الفيضانات المدينة ونتج عنها فقدان الآلاف من الأرواح البشرية،
وخلال فترة النظام السابق لم يكن ملف المفقودين في ليبيا من اهتماماته، حتى من فقد في حروب سابقة يبقى مفقود ولا توجد مؤسسة معنية بهذا الشأن، وعقب سنة 2011 نادت العديد من الجهات بضرورة إنشاء مؤسسة معنية بشئون كل المفقودين وتأسست كإدارة فنية سنة 2012 تحت مسمى الإدارة الفنية للبحث والتعرف على المفقودين وتبعيتها لوزارة الشهداء، ومارست أعمالها في تلك الفترة بالتعاون مع الجهات الدولية والمحلية بحكم أن ليبيا ليس لديها خبرة في هذا المجال، وأنشئت هذه الإدارة بكوادر فنية كان لها دور في السنوات السابقة للكشف عن عديد المقابر وانتشالها وأرشفتها وأخذ العينات، أيضاً تم تفعيل معمل الحمض النووي والبصمة الوراثية الذي لديه دور كبير في التعرف على الجثث مجهولة الهوية بالمطابقة مع عينات أسر الضحايا.
وكان الرأي أن يكون لدينا مؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة نظر لحجم العمل الذي تقدمه وتبعيتها لرئاسة مجلس الوزراء، وصدر بها قانون بهذا الصدد تم تفعيله سنة 2018، والهيئة قائمة بدورها من خلال التعامل مع كل الملفات في ليبيا، أيضاً اكتسبت الهيئة ثقة كل الفرقاء سواء كانوا السياسيين أو المناطقية والسياسية، بحيث تعمل بكل أريحية بجميع المناطق وتوجه لها كل الطلبات في الكشف عن المفقودين سواء في الشرق أو الغرب أو الجنوب، والهيئة تتعاطى مع كل الملفات الموجود حتى ما قبل سنة 2011، وإنشاء قواعد بيانات وراثية لكل الحالات التي مرت بها ليبيا.
حدثنا عن أعداد المفقودين المسجلة لديكم؟ وما هي طبيعة عملكم؟
لدينا إحصائيات وقاعدة بيانات تم تأسيسها بناءً على بلاغات تصل للهيئة ويتم فتح ملفات لها، حيث أننا نعتد بعدد البلاغات والبيانات المسجلة بالهيئة، ولا نعتمد على ما يتداول في الشارع أو عبر وسائل الإعلام، كما حدث في كارثة درنة بأنه تجاوز عدد المفقودين 100 ألف، وهذه معلومات غير صحيحة، ولكن للأسف ترسخ في ذهن الناس، فعندما نتكلم عن عدد المفقودين بمدينة درنة فهو لم يتجاوز 3800 مفقود، وبالمقابل فإن عدد سكان المدينة أساساً لم يتجاوز 120 ألف، وأثبتنا ذلك بأن عدد الجثامين التي تم انتشالها بمقارنتها بالبلاغات المقدمة من أسر الضحايا كانت النسبة قريبة جداً، وبالنسبة للإحصائيات الموثقة لدى الهيئة فقد بلغ إجمالي عدد المفقودين على مستوى البلاد نحو 6500 مفقود.
وقد كشفت الهيئة عن إحصائياتها خلال شهر يوليو الماضي بمدينة سرت بانتشال 34 جثة من المباني المهدمة بمنطقة الجيزة البحرية، أيضاً تم انتشال 32 جثة من مقبرة بحي الكامبو في الجيزة البحرية، وتم أخذ عينات الحمض النووي من 94 حالة بمستشفى سيناء، ودفن 59 حالة بمقبرة أبو رويلة بمنطقة الثلاثين، وتم فتح 30 ملف لمفقودين وأخذ 91 عينة مرجعية لأهاليهم، بالإضافة إلى أنه تم خلال شهر أكتوبر الماضي تسجيل 77 ملف وأخذ 75 عينة مرجعية من المدن (تاورغاء، درنة، طرابلس، صبراته، العزيزية، الجميل).
وبالنسبة لعملنا فهو يخضع للمعايير الدولية، حيث قامت بزيارتنا عديد المؤسسات المعنية بشؤون المفقودين سواء الصليب الأحمر أو منظمة شئون المفقودين أو محكمة الجنايات الدولية وخبراء في الطب الشرعي وغيرها، وقاموا بتقييم العمل الذي نقوم به، فنحن لسنا بمعزل عن العالم والعديد من الجهات تقوم بمتابعتنا، فهذه ملفات كبيرة ولم نجد أي آراء سلبية منهم حول عمل الهيئة، وأثنوا على ما نقوم به، وقد زار الهيئة مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا وأثني فيها على العمل، وأكد أنها ستكون مركز إقليمي للمنطقة في المستقبل.
وكيف تتعامل الهيئة مع المقابر الجماعية التي يتم اكتشافها أو الإبلاغ عنها؟
التعامل مع المقابر الجماعية يتم من خلال تكليفات عن طريق النيابة العامة بناءً على التقارير الأولية الصادرة من فرق الاستطلاع والاستكشاف أو جمع الاستدلالات أو عن طريق بعض المبلغين بوجود مقبرة في مكان معين، وبناءً على تكليف النيابة يتم إسناد العمل للفرق والانتقال للمنطقة المحددة بإرسال فريق استطلاع هذه هي الخطوة الأولى لإعطاء التقارير الأولية بحجم المقبرة والعدد المتوقع أن يكون بها، يعدها تصدر تكليفات فنية لفرق الاستخراج والطب الشرعي وكل الإدارات، طبعا هذا فيما يتعلق بجزئية وجود مقبرة معينة، ومن ثم خطوات أخذ الإحداثيات والطوق الأمني وكل الإجراءات والمعايير المتعارف عليها بالتعامل مع أي مقبرة موجودة في مكان ما.
وفي سنة 2014 تم اكتشاف مقبرة بمنطقة بئر الأسطى ميلاد بتاجوراء، أستخرج منها في تلك الفترة 179 جثمان، ومن مدة قريبة وردت معلومات بذات المكان يعتقد بوجود مقبرة، على أثرها تم تكليف فريق استطلاع ونتج عن التقرير وجود هياكل عظمية بشرية مدفونة بطريقة غير شرعية، بعدها كلف فريق إدارة الرفات والطب الشرعي بالتوجه للمنطقة واتخذت كل الإجراءات بناءً على النيابة العامة باستخراج تلك الجثامين، وعكف العمل عليها لمدة 3 أسابيع ونتج عنها استخراج أكثر من 75 جثمان.
وأحياناً نستخدم صور الأقمار الصناعية خاصة للمناطق المفتوحة فهي تعطي دلالة عن المكان ما قبل الأحداث التي جرت به وما بعد، وهذا أحد الأشياء التي تساعدنا على نبش الأرض، فنحن لدينا فرق متخصصة في علوم الجيولوجيا والإنسان والأرض والنباتات، جميعها تعطي تقاريرها، بحيث توضح أن هذه التربة مقارنة بالمكان الذي بجوارها ربما يكون به علامات نبش أو حفر، وكله يعتمد على العلوم التطبيقية التي تتميز بها الهيئة بوجود كوادر بمختلف التخصصات التي تساعد في عمليات الكشف على المقابر، أيضا نستخدم إحداثيات (GPS)، بالإضافة للمعدات والأجهزة التي تستخدم في عمليات الكشط والاستخراج، وهذه جميعها تستخدم في أي مكان بالعالم.
وماذا عن مختبرات الحمض النووي ودورها في التعرف على هوية المفقودين؟
لدينا أحدث الأجهزة في عملية التعرف على الحمض النووي وهى تخضع لأكثر من 8 إلى 9 مراحل لإصدار التقارير، فنحن لدينا منظومة للمطابقة وهى من أفضل المنظومات عالمياً، وتستخدم لمطابقة العينات مجهولة الهوية والعينات المتخذة من أسر الضحايا وهي دقيقة جداً وتم تدريب العناصر الموجودة بالهيئة عليها والتقارير تصدر من هذه المنظومة مباشرة ويتم إحالة التقارير للنيابات المختصة.
وكيف يكون التعاون بينكم وبين المنظمات الدولية ؟
بالنسبة للمنظمات الدولية المختصة مؤخراً كانت هناك شراكة مع بعثة الأمم المتحدة في برنامجها الإنمائي UNDP من حيث تقديم الدعم النفسي للأسر من خلال ورش عمل تستهدف بها أسر الضحايا أو حتى للفنيين الموجودين لدينا ويحتاجون للدعم النفسي نظراً لتعاملهم مع الجثامين مجهولة الهوية وهذا بناءً عن تقارير الأخصائيين النفسيين، ومن جانب آخر مستمرين في تعاونهم لتدريب الكوادر الفنية في مجال الطب الشرعي الجنائي وتحليل الحمض النووي مستقبلاً.
وتقام ورش عمل للدعم النفسي داخل الهيئة بالشراكة معUNDP ، حيث يتم استهداف عدد من الأسر ممن لديهم مفقودين، كما يمكن التواصل مع الهيئة من خلال موقعها على الإنترنت وصفحة التواصل الاجتماعي التي يوجد بها أرقام الهواتف المخصصة لذلك وهي مفتوحة دائماً في حالة أي شخص لديه مفقود يتم إرسال نماذج خاصة ترسل على (واتساب) من باب التسهيل على أسر الضحايا من حيث البيانات المطلوبة لفتح الملف ويتم إرساله إليهم لتسهيل الإجراءات، وعند حضور الأسرة تكون الأمور جاهزة، ويفتح الملف في نفس اليوم ويتم أخذ العينات منهم ويعين شخص واحد من الأسرة هو الذي يقوم بمتابعة الإجراء والتواصل مع الهيئة باستمرار وتصدر له بطاقة بها اسمه كوكيل واسم المفقود.
وماذا عن ملف المفقودين بمدينة درنة في كارثة إعصار دانيال؟
انتهينا من جزئين مهمين وهما انتشال الجثامين مجهولة الهوية التي كانت مدفونة بطريقة عشوائية بمقبرة تعرف (بالظاهر الأحمر) بمنطقة مرتوبة، وكل الجثامين أصدر الطب الشرعي تقارير لها، وجرى أخذ عينات الحمض النووي بالكامل ومن ثم أعيد دفنها ووضع الباركود الأرقام السرية على كل جثمان موجود وأنشأت مقبرة خاصة سميت مقبرة فيضان درنة، كما انتشلت الجثث التي أخذها السيل في البحر وتم الانتهاء من هذه الجزئية، وبنسبة 99% انتهينا من تجميع عينات الحمض النووي لأسر الضحايا المفقودين.
وقد واجهنا صعوبات في عملية التواصل مع أسر الضحايا نتيجة للظروف التي مروا بها من هدم للبيوت إثر الفيضان وخروج الأهالي ورحيلهم لمدن أخرى، ولكن خلال هذه السنة بالكامل تم التوصل لأغلبهم، ومن ثم بدأنا منذ قرابة شهرين، لأنه كانت لدينا مشكلة في مواد التشغيل الخاصة بتحليل عينات الحمض النووي ولكن وصلت مواد التشغيل بعد توفر الموارد المالية وتم تحليل أكثر من 50% لقاعدة البيانات بالنسبة لأسر الضحايا بحوالي 1500 حمض نووي، وأكثر من 200 حمض نووي لعينات العظام .
وكيف يتم التعامل مع الجثامين مجهولة الهوية؟
خصصت قطعة أرض بحجم 5 هكتارات كمقبرة في مدينة درنة تدفن بها الجثامين مجهولة الهوية بعد أن توضع لها أرقام سرية ويتم دفنها داخل القبر وعليه ومعلومات GPS في حالة الرجوع للقبر أو للتعرف على الجثمان تسهل هذه العملية وتعريف ذوي الضحايا عليه، كما يوجد مقبرة خاصة في منطقة بئر الأسطى ميلاد بتاجوراء داخل نطاق طرابلس الكبرى، وبعد استفاء تقرير الطب الشرعي خاصة في جثث مجهولة الهوية التي تنتج عن الحروب، نقوم بأخذ عينات منها ونرصدها في تقرير الطب الشرعي وبعدها نأخذ إذن النيابة العامة بالدفن في مقبرة خاصة بالهيئة حتى نتمكن من الرجوع للجثمان في أي للحظة، حتى وأن كان بعد 3 سنوات.